]size=24]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دخول الجن جسد الإنسان خرافة يكذبها الدين
تسيطر على عقول كثير من المسلمين خرافات وأوهام في علاقة الجن بالإنسان، حيث يعتقد هؤلاء أن الجن يدخل جسد الإنسان ويسيطر عليه ويوجه سلوكياته ويتحكم في تصرفاته، بل يعتقد البعض أن الجن يتزوج من الإنس، وكم طاردتنا وسائل الإعلام المقروءة والمرئية بقصص زواج وهمية بين رجل وامرأة من عالم الجن أو بين جني وامرأة من عالم الإنس، وكيف أن الجن يسيطر على عواطف الزوجة ويصرفها عن زوجها ليعيش هو معها.
هذه الأوهام يرفضها معظم علماء الإسلام وكان للداعية الراحل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله رأى مفصل حول هذه القضية نورد فيما يلي موجزاً عنه نظراً لأهميته: يقول الغزالي: لقد شرح القرآن الكريم عداوة إبليس وذريته لآدم ونبيه، وبين أن هذه العداوة لا تعدو الوساوس والخداع، يقول الحق سبحانه: “واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا” (الإسراء: 64).
فالشيطان في هذا الهجوم لا يملك شيئاً قاهراً، إنه يملك استغفال المغفلين فحسب يقول تعالى: “وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي. فلا تلوموني ولوموا أنفسكم”. وقد تكرر هذا المعنى في موضع آخر “ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان”. فالشيطان لا يقيم عائقا ماديا أمام ذاهب إلى المسجد، ولا يدفع سكران ليكرع الإثم من إحدى الحانات.. إنه يملك الاحتيال والمخادعة ولا يقدر على أكثر من ذلك.
ويتساءل الشيخ الغزالي قائلا: هل العفاريت متخصصة في ركوب المسلمين وحدهم؟ لماذا لم يشك ألمان أو يابانيون من احتلال الجن لأجسادهم؟ إن سمعة الدين ساءت من شيوع هذه الأوهام بين المتدينين وحدهم، فالعلم المادي اتسعت دائرته ورست دعائمه، فإذا كان ما وراء المادة سوف يدور في هذا النطاق فمستقبل الإيمان كله في خطر، ولذلك واجبنا أن نبحث علل أولئك الشاكين من سيطرة الجن على أجسادهم بروية، ولنرح أعصابهم المنهكة، ولا معنى لاتهام الجن بما لم يفعلوا.
حقيقة المس
وهناك من يرون أن الجن يسكن جسد الإنسان ويسيطر عليه ويوجه سلوكياته ويتحكم في مشاعره وعواطفه ويستشهدون على ذلك بقول الحق سبحانه: “الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس” وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم”.
وقد تصدى للرد على هؤلاء الشيخ الغزالي قائلا: “جمهور المفسرين قالوا إن حالة الذي يتخبطه الشيطان من المس” والتي ورد وصفها في الآية الكريمة ستكون يوم الجزاء، والسبب في هذا التفسير المقبول أن أحدا لم ير أكلة الربا مصروعين في الشوارع توشك أن تدوسهم الأقدام، ومن ثم جعلوا ذلك عندما يلقون الله فيحاسبهم على جشعهم وظلمهم. وقال البعض إن سبب الصرع مس الشيطان كما هو ظاهر التشبيه. وقد ثبت عند أطباء هذا العصر أن الصرع من الأمراض العصبية التي تعالج كأمثالها بالعقاقير وغيرها من طرق العلاج الحديثة، وقد يعالج بعضها بالأوهام.
أما حديث أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإن القصة التي ورد فيها تشرح المراد منه. قالت صفية زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت إلى بيتي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يمشي معي مودعا (وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد) فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي أسرعا فقال لهما: على رسلكما (أي تمهلا) إنها صفية بنت حيي. قالا: سبحان الله يا رسول الله قال: “إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال شرا”.
وظاهر من الحديث كما يوضح الشيخ الغزالي أن الرسول يريد منع الوسوسة التي قد يلقيها الشيطان عندما يرى مثل هذا المنظر، ومع أن الصاحبين أنكرا واستعظما أن يجري في نفسيهما شيء من ظنون السوء بالنسبة للمعصوم عليه الصلاة والسلام، فإن النبي أراد منع هذه الوسوسة، ومن هنا فلا صلة للحديث باحتلال الشيطان لجسم الإنسان.
فاسق لا تقبل شهادته
يقول د. مبروك عطية الأستاذ في جامعة الأزهر والداعية الإسلامي المعروف: قال الإمام الشافعي من قال إنه يرى الجن فاسق لا تقبل شهادته لأنه يناقض قول الله تعالى: “إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم”.
ويضيف: لقد ثبت أن للشيطان وحيا.. هكذا قال الله تعالى في سورة الأنعام “وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون”.
وتفسير الآية في جميع التفاسير المعتمدة أن وحي الشيطان هو الخواطر السيئة التي يلقي بها في قلب وليه، وولي الشيطان هو الذي يستجيب له ويترك هدى الله الذي بينه في القرآن الكريم.
أما مس الشيطان فهو كناية عن الصرع، وهناك حديث نبوي يؤكد أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، وهي كناية عن ملازمته، كما يقول الإنسان لصاحبه أو صديقه: أنت في قلبي وفي عيني.
ويواصل د. مبروك عطية تفنيده لمزاعم من يعتقدون أن الجن يدخل جسد الإنسان فيقول: يستند بعض الناس في ادعاءاتهم بالمس إلى الآية الكريمة في سورة البقرة “فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه” ولا يتوقفون أمام الآية اللاحقة لها “وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله” ومعلوم أن أول الآية “واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان” فهي تتحدث عن زمان مضى في عهد نبي سبق. أما في عهد محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فالآية من سورة “فصلت” فيها العلاج كله وهي قوله تعالى: “وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله” فاليقين أننا إذا قلنا نعوذ بالله من الشيطان فإن شر الشيطان يذهب كله.
وينتهي د. مبروك عطية إلى القول بأنه لم يرد عن علماء المسلمين عبر العصور المتعاقبة أن الجن يلبس الإنسان أو يؤذيه، أو أن هناك آيات يمكنها علاج هذه الادعاءات، وما نراه من بعض الذين يزعمون أن الجن يركب أجسادهم ما هو إلا وساوس شيطان وأمراض نفسية تحتاج إلى أطباء لا إلى دجالين.
التغلب على الوساوس
وهنا يبرز السؤال المهم: مادام الجن لا يدخل جسد الإنسان ولا سلطان له على المسلم إلا بالوساوس والإغواء فكيف نتغلب على وساوس الشيطان ونحمي أنفسنا منه؟
يقول د. نصر فريد واصل أستاذ الشريعة الإسلامية ومفتي مصر الأسبق: الشيطان لا سلطان له على إنسان يؤدي الواجبات الدينية كما ينبغي ويؤمن بالله حق الإيمان، ويدرك أن إرادة الإنسان محررة من كل هذه الخرافات التي يروج لها البعض، ومن فضل الله تعالى ورحمته بعباده المؤمنين أنه بشرهم أنهم متى أخلصوا له العبادة والطاعة. وأدوا ما كلفهم به بإحسان وخشوع، فإن الشيطان لا يستطيع أن يؤثر فيهم أو أن يمسهم بسوء.
وقد اعترف إبليس بذلك في آيات منها قوله تعالى: “قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين. قال هذا صراط علي مستقيم. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين. وإن جهنم لموعدهم أجمعين”.
أي قال إبليس مخاطبا خالقه عز وجل: رب بسبب كوني غاويا فسأزين للبشر المعاصي في الأرض ولأعملن على إضلالهم جميعا إلا عبادك الذين استخلصتهم لطاعتك، وصنتهم عن اقتراف ما نهيتهم عنه، فرد الله تعالى على إبليس بقوله: “هذا صراط عليّ مستقيم” أي: هذا منهج قويم من مناهجي التي اقتضتها حكمتي وعدالتي ورحمتي، وسنة من سنني التي آليت على ذاتي أن ألتزم بها مع خلقي وهي أن عبادي لا قوة ولا قدرة لك على إغوائهم أو إضلالهم ولكن سلطانك وقدرتك إنما هي على من اتبعك من الغاوين الذين ستكون جهنم مصيرهم ومأواهم.
وهناك شيء أولى بالمتدينين والموهومين بهذه الخرافات أن يعلموه وهو أن شياطين الإنس والجن تنتشر في كل مكان، وتحاول الإيقاع بكل إنسان، والاستعاذة منها واجبة ونافعة وقد أمر الله بها نبيه “وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون”. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه”.
ومن أدعيته عليه الصلاة والسلام: “اللهم إني أعوذ بك من الهرم، ومن الغرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت”.
هذا هو المسلك السليم الذي يجب أن يتبعه كل مسلم بدلا من ترديد أوهام وخرافات ما أنزل بها من سلطان.
دمتم بود[/size]