حكايته حكاية صبي منعه أبوه من الرسم ليهتم بدراسته ،ترك الرسم ولجأ للشعر
.. ثم حَنَّ للرسم من جديد .. فخيبه أمل الآباء في الأبناء هي العنوان
الأمثل الذي يصلح كبدايه لحدوتة حياته رغم أنه أثبت العكس تماماً .. هذا
هو"محمد صلاح الدين بهاء أحمد حلمي"الشهير بـ"صلاح جاهين"،وصل إلي الحياة
في1930/12/25م حيث ولد في حي شبرا بشارع جميل باشا، وكان هو الإبن الأول
لوالديه، أبوه هو المستشاربهجت حلمي الذي كان وكيل النيابة في سنة
الميلاد، وتدرج في السلك القضائي إلي أن أصبح رئيس لمحكمة استئناف
المنصورة، وجده الصحفي الكبير أحمد حلمي(شارع أحمد حلمى بشبرا يحمل اسمه)
له بصمات عديدة في السياسة فقد كان رفيقاً للزعيمين مصطفى كامل ومحمد
فريد، وأسس جريدةالقطر المصري، وكان أول صحفي في مصريذم في الذات الملكية
في زمن الخديوي عباس حلمي، أما أمه السيدة أمينة حسن فكانت مدرسه وكانت
تروى له القصص العالمية والأمثال الشعبية بأسلوب سلس لطالما عشقه،فعملت
على غرس كل ما تعلمته من دراستها فى مدرسة السنية، ثم عملها كمدرسة
للغةالانجليزية فى طفلها النبيه الذى تعلم القراءة فى سن الثالثة.
تمتع صلاح جاهين منذ صغره بموهبة"الحكى"فكان يقرأ كل ما تقع عليه عيناه ثم
يعيد روايته لشقيقاته بأسلوب شيق ومميز يحرص فيه على إيقاع الكلمات. فى سن
الرابعة - أو مادونها - نظم بعض الجمل مرحباً بضيف أباه دكتورعلى العنانى
فقال: "كانى مانى ... دكان الزلبانى ... دكتور على العنانى"، فبهرت هذه
الكلمات البسيطة الطفولية دكتورعلى العنانى حتى أنه سجل إعجابه وتنبؤه له
بمستقبل باهر على ظهر صورة أهداها للطفل الفصيح.
ولكن أول قصيدة حقيقية كتبها كانت وهوفى السادسة عشرةمن عمره يرثى فيها
الشهداء الذين سقطوا فى مظاهرات الطلبة بالمنصورة عام 1946قال فيها:
كفكفت دمعى ولم يبق سوى الجَلََد
ليت المـراثى تعيد المجـدللبلد
صبراً ... فإنا أسود عند غضبتنا
من ذا يطيـق بقـاءً فى فم الأسد.
نظراً لطبيعة عمل والده كقاض وانتقاله مع والده والعائلة الى أكثر من
إقليم أو محافظة فقد كان جاهين لا يشعر بالإستقرار،ففي مدرسة أسيوط
الابتدائية تلقى تعليمه ؛ والتوجيهية من محافظة الغربية"طنطا"،
وشهادةالثقافة من محافظة المنصورة، لتأتي مرحلة التمرد الكبري من جاهين،
فوالده أراده أن يدرس الحقوق ويسير مسيرتة ليصبح قاضياً.
بينما كان حلم الإبن أن ينهي دراسته في الفنون الجميلة ويسافر إلي باريس
.. ليصبح جاهين بين نارين .. نارإرضاء والده .. ونار حلمه الذي يرغب في
تحقيقة .. فالتحق بكلية الحقوق بناء على رغبة والده، فوقتها لم يكن الخروج
على رغبة الأب يحظى بشعبية كبيرة مثل الآن، لكن أفكاره التمردية رفعت
شعار"لن أعيش في جلباب أبي"وقادته لأن يدرس في كلية الفنون الجميلة في
الوقت ذاته دون أن يعلم أباه، وهو ما أسفر عن مشادة عنيفة بينه وبين والده
غادرصلاح جاهين المنزل على إثرها دون إطلاع أحداً على مقصده. فتوجه لبيت
الفنانين بوكالة الغورىثم سافر لعمه بغزة، وقضى فترة هناك عاد بعدها إلى
القاهرةحيث قرأ إعلاناً عن وظيفة مصمم مجلات بالمملكة العربيةالسعودية،
فتقدم لها ثم سافردون أن يخبر أحداً، ولم يعلم والديه إلا بعد سفره
بالفعل.
ولكنه عاد مرة أخرى لمصربعد أن تلقى خطاباً من والده يحثه فيهعلى العودة.
ورغم التحاق صلاح جاهين بكلية الفنون الجميلة بعد ذلك إلا انه لم
يكملالدراسة بها أيضاً.
وفى منتصف الخمسينيات بدأت شهرته كرسام كاريكاتير فى مجلة روز اليوسف، ثم
فى مجلة صباح الخيرالتى شارك فى تأسيسها عام1957، واشتهرتشخصياته
الكاريكاتورية مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، درش وغيرها من
الشخصيات.
بدأصلاح جاهين يكتب الشعر الكلاسيكي في أواخر الأربعينات، قبل أن يبلغ
العشرين من عمره. لكنه قرأ يوماً قصيده بالعامية المصرية لشاعر لم يكن قد
سمع به آنذاك، فتوقف عن كتابةالفصحي وقرر التعرف إليه وكان له ذلك، ولم
يكن ذلك الشاعر سوى فؤاد حداد رائد شعر العامية وشاعرها الأول في مصر
وصاحب أول ديوان في شعر العامية أصدره عام وهو ديوان "أحرار وراء
القضبان"الذي أثر فيه تأثيرا كبيراً،وجمعته به صداقة عميقة استمرت فيما
بعد حين تزوجت أمينة ابنة صلاح جاهين من ابن فؤادحداد الشاعرأمين فؤاد
حداد.
يعتبرفؤاد حداد هوالأب الروحي لصلاح جاهين، فقد كان سبباً في تحولة الشعري
من الكلاسيكية إلي العامية عندما قرأ قصائدة، وكثيراً ما اعترف بفضل فؤاد
حدادعليه شعرياً فقد أشاد بتجربته الشعرية الرائدة وقوة مضمونها التى وقف
أمامها وأفاد منها كثيراً، فقد وضع فؤاد حداد الشعر فى مكانة جديدة وغاص
شعره فى التراث الشعبي، وقام بتطوير الشعر العامي على نحو غير مسبوق، وقد
احتل هذا الشعربفضله مكانة جديدة مع أن الذين سبقوه فى هذا المجال كانوا
عباقرة أيضاً مثل بيرم،ويتغنى شعره دوما بمصر وأهاليها العاديين وأعلامها
ورموزها الوطنية والثقافية،وتناول شعره كل ذلك بغزارة وتدفق ناشراً روح
الانتماء للوطن، قال عنه صلاح جاهين إنه"شاعر فحل مثل شعراء الملاحم،
يستطيع أن يقول ويقول دون أن يتوقف
"
لم يكن صلاح جاهين أول من كتب الرباعيات، فالتاريخ القريب يعرفنا بشعراء
أفراد كتبوا الرباعيات لعل من أهمهم رباعيات بيرم التونسي المنتشرة في
معظم دواوينه، ورباعيات الخيام التي أعاد كتابتها الزجال البارع أحمد
سليمان حجاب، ورباعيات شعراء شعبيين وزجالين لم يقدر لأشعارهم ولا
لأسمائهم الذيوع؛ ثم رباعيات العظيم صلاح جاهين، لذلك القارئ لأشعارجاهين
سيجد هيمنة لشكل الرباعية في كثير من أشعاره وأزجاله وأغانيه، غير ديوان
مستقل تحت عنوان رباعيات
كروان جريح مضروب شعاع م القمر
سقط من السموات فؤاده انكسر
جريت عليه قطه عشان تبلعه